السبت، 7 ديسمبر 2013

كلام من واقع الحال

لعل من أخطر الأمراض الإجتماعية وباء فتاك عادة ما يبدء إنتشاره في النخب التي يعول عليها في النهوض بالدولة, إما بدراية أو عن جهالة. تتمثل أعراض المرض في اللجوء إلى إستخدام قوالب في تصنيف أفراد المجتمع حسب الإنتماء الجغرافي والآراء والمعتقدات, ومن ثم تقييم كلا منهم حسب القالب الذي يوضع به, وبذالك يتم نقض ماهو متعارف عليه أخلاقا من أن تقييم الإنسان لا يعتمد على إنتمائه أو أرائه أو معتقداته. في مجتمعنا الليبي الآن مثلا قد يكون الفرد "غرباوي" أو "شرقاوي" أو "فزاني" أو "إخواني" أو "علماني" أو "سلفي" أو "شلافطي" أو "بريوشي" أو "دبل شفرة" إلخ ...

السبب في إنتشار هذا الوباء هو إعتقاد من يدّعوا الإنتماء إلى واحدة أو أكثر من هذه التصنيفات الغير حضارية أن وضع أفراد المجتمع في مثل هذه القوالب يمثل أقصر الطرق وأسهلها في التعرف على الخصوم, مع أن واقع الحال يقول غير ذالك. إذ لا يمكن لاثنين من البشر أن يتفيقا على كل ما يطرح أمامهما, إلا إذا ما إضمحلت عقليتهما ليصبحا كالأنعام أو ربما أضل سبيلا, وهنا تكمن مسؤلية النخب في تتثقف العامة بأمانة وصدق وإخلاص, بدلا من جرهم كقطعان الأنعام وإستخدامهم لتنفيد مآرب دنيئة وقضاء مصالح مشبوهة. من الواضح إذا أن سبب إنتشار هذا الوباء هو أن افراد ما يسمى بالنخب لم يدركوا مدى أهمية التوصل إلى حلول وقواسم مشتركة مع خصومهم وإن أدركوا تلك الأهمية فسرعان ما تأخذهم العزة بالإثم فينقلبوا على أعقابهم.
 
نظرا إلى الخلفية الإجتماعية التي تميل للعنجهية والعنف وعدم قبول الأخر المتفحلة في مجتمعنا نتيجة الظروف الغير إعتيادية التي مر بها, بالإضافة إلى قلة أو شبه إنعدام الخبرات الإدارية والسياسية, فإن الدافع الحقيقي من وراء وضع القوالب للتعرف على الخصوم ليس الوصول إلى تفاهم مشترك معهم ولكن للقضاء عليهم. فبمجرد التعرف على الخصوم تبدء طقوص الفتك بهم فرادي وجماعات. تتمثل تلك الطقوص في التشهير بهم لدى عامة الناس, وعادة ما يكون ذالك بدون أدلة تذكر, ونعتهم بكل ماهو سيئ وبذيئ وذالك ليكثر عدد أعدائهم ومن ثم قد يسهل القضاء عليهم . أقول قولي هذا ولا أستثتي أحد لاشيوخ مساجد ولا من يتعاطون الخمر والمخدرات, فلا أحد على إستعداد لإحترام  الأخر أو لديه النية الصادقة لمحاولة فهمه أوتشجعه على التفاهم.
 
من الواضح أن تفشي هذا المرض يؤدي بأفراد المجتمع للإنصياع وتبنيهم لهذه القوالب كأساس في تقيمهم للأخرين, وقد يسأل سائلا وما الحرج في ذالك؟ أقول ليس هناك حرج ولكن هناك ما هو أسوء بكثير, فبمجرد تصنيفك لشخص ما كجزء من مجموعة ما تتكون لديك أفكار لا إرادية عن شخصيته ومن ثم تتبلور إلى معتقدات يصعب أو قد يستحيل التخلص منه رغم عدم واقيعيتها. مع إنتشار المعتقدات الخاطئة عن الأخرين يفقد أفراد المجتع الثقة ببعضهم وتنعدم النوايا الحسنة ويبدء المجتمع في التفكك. مع بداية ظهور أعراض هذا الوباء الخطير وإتضاحها للعيان يأخذ في الإنشار بسرعة مذهلة فيتحول أفراد المجتمع إلى مجموعات متناحرة, بداية في وسائل الإعلام بالسب والشتم والتنابز بالألقاب, ثم تنتقل العدوى إلى المحافل السياسية بإلقاء الإتهامات والإتهامات المعاكسة وينتهي المطاف في الشوارع والأزقة بالحجارة  ثم الأسلحة الأكثر تطورا. من الطبيعي أنه لايمكن لمجتمع ما التدني لوضع كهذا إلا في غياب قوة مهيمنة على الدولة, لذالك قد يستمر الصراع بالشارع حتى تتفوق طائفة ما على الطوائف الأخرى إما بالإقناع أو بالقوة من الداخل أو من الخارج ليبدء بذالك عهد جديد من الدكتاتورية المقنعة.
 
لعل أسوء المخاطر التي يسببها هذا الوباء الإجتماعي هو إقصاء الإنسان الحر والنزيه وإبعاده عن إدارة شؤن المجتمع. فبمجرد الإشارة إليه على أنه تبع لايّ من مثل تلك الطوائف لن يتمكن من التفاعل الإجابي مع أيّ من النخب وبالتالي يخسر المجتمع الكوادر التي كان يعول عليها في النهوض من براثن التخلف.
 
لمجابهة هذا الوباء وإبادته علينا محاربت ثقافة وضع الأخرين في قوالب, فلولا وجود الخصوم ما أستطاع البشر التنافس والرقي إلى ماهو أسمى.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق