السبت، 11 مايو 2013

ما أشبه الليلة بالبارحة

كنت اليلة قبل البارحة أستمع إلى نشرة الأخبار على قناة ليبيا الأحرار. الخبر الثاني في النشرة كان يتحدث عن عملية سطو مسلح على مصرف الجمهورية بأحد مدن الجنوب الليبي, فرجعت بي الذاكرة إلى ديسمبر 2011, والجمعية الوطنية للعدالة الإجتماعية, وما أدراك مالجمعية الوطنية للعدالة الإجنماعية؟ سأعود للحديث عنها لاحقا, ولنبدء السرد من البداية.
سنة 2011 كانت سنة حزن لي ولكثير من الليبيين الذين فقدوا أقاربهم وأحبائهم, مررت فيها بظروف وضعتني تحت الإقامة الجبرية في المنطقة التي أسكن فيها نظراً لتدهور الحالة الصحية لوالدي ووالدتي وإحدى شقيقتيّ. ففي غضون ثلاثة عشر شهراً فقدت خمس من أقرب أقاربي, إبتداء بوفاة شقيقي في منتصف شهر يناير, ثم والدي الذي نقل إلى المستشفي يوم 17 فبراير فوافته المنبة يوم 23 مارس, ثم توفيت والدتي في 23 رمضان المافق 23 أغسطس (يوم إقتحام معسكر باب العزيزية), ثم أخي في شهر نوفمبر, ثم شقيقتي في فبراير سنة 2012. ولكن كما يقال "من يرى مصائب الناس تهون عليه مصيبته", فهناك  الكثير ممن كانوا يفقدون أقاربهم يوم تلو الأخر خلال الثورة في الحرب أكلت الأخضر واليابس, خاصة مع بداية النهاية, وبالتحديد في شهر رمضان, حين أشتدة وطأة القتال والحر وإنقطع الماء والكهرباء. كنت حينها أفكر كيف لي أن أحزن وهناك من يعيشون في تلك الظروف. فلابد أن هناك أم تنظر إلى طفلها الذي يموت أمام عينيها ولاتستطيع فعل شيئ حيال مأساتها, وأب تكاد لوعة فقدان إبنائه أن تقضي عليه, وطفل فقد والديه, ومن المصائب ما يصعب على الإنسان أن يتخيل شدة وطأتها عليه, كالحدث الذي أكاد أراه في الواقع كلما خطر ببالي وهو منظر مريع لرجل يصرخ "خارق حارق ياناس ... خارق حارق ... حتى اليهود ماداروشي", قُتلت زوجته برصاصة في رأسها وإنفجرة فتناتر دماغها حول مدخل بيتها. يال الطامة وياله من موقفع مروع ومأساة تجعل الولدان شيبا. أدعوا الله أن يخفف آلام ذالك الرجل وأطفاله ويلهمهم الصبر وأن يجمعهم في الجنة. تري هل للقاتل من زوجة وأطفال؟ بل هل هو إنسان حملته أم وأنجبته؟ أم أنه شيطان دخل إلى عالم الإنس للإنتقام من ذرية أدم؟ الأرجح أنه إنسان جُرد من أدميته بعد أن غُسل دماغه ليصبح آلة تعثوا فساداً في الأرض.
الحقيقة أنني ربما كنت أشعر بالذنب لعدم إستطاعتي المشاركة في الثورة, وهنا لا أقصد من الناحية القتالية, فأنا لا أتذكر أنني كنت قد قتلت حيوان واحد في حياتي ناهيك عن محاولة قتل البشر, ولكن لا أحد يعلم الغيب فغالب ما تتحكم الظروف في تصرفات البشر. أعود فأقول ربما كان عجزي عن المشاركة وشعوري بالذنب السبب الذي قادني إلى التفكير في المساهمة من بعيد ومحاولة الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب, إذ لم يكن بوسعي حينها الإبتعاد عن أسرتي وتركهم بدون من يعولهم أو يواسيهم فيما إبتلانا الله به من وفيات, فقررت الشروع في تأسيس جمعية إخترت لها إسم "الجمعية الوطنية للعدالة الإجتماعية". قلت في نفسي مع إنتشار سبل الإتصالات الإلكترونية سيكون من السهل الإتصال والتواصل لإنشاء جمعية تخدم العدالة الإجتماعية وتناضل من أجل التوزيع العادل للسلطة والثروة (بدون سلاح طبعاً) بين طوائف وطبقات الشعب. لكن للأسف لم تمضي فترة طويلة حتى إنتزعت السلطة والثروة وسمح للشعب بالسلاح فقط – لكن ذالك موضوع أخر. إذاً, قمت بكتابة مسودة دونت فيها أهداف الجمعية وطرق عملها وقوانين العضوية فيها وكيفية الحصول على الدعم المادي لها, ومن ثم عرضت نسخ من تلك المسودة على بعض الأصدقاء, والحقيقة أنني لم أشعر منهم بأي تحفز يذكر, ثم إتضح لي أن فكرة المؤسسات الغير حكومية "أديمة" على رأي أخوانونا المصريين, ومنتشرة بشكل واسع في جميع الأوساط الليبية, ربما شعرت عندها في قرارة نفسي أن فكرة الجمعية ستبقى مجرد فكرة, وكذالك بقية حتى ساعة كتابة هذه السطور. والسبب الذي دعاني للتفكير بجمعية تحمل ما أعلنت لها من أهداف هو يقيني بأنه إن لم تتم عملية السيطرة على الدولة من قبل كيان فعال مدعوم بقوة السلاح يجسد معظم الفئات المقاتلة أو كيانات عديدة منظمة ومتفقة على مسار موحد لمصلحة البلاد وتحضى بتأييد شعبي كبير فسينتهي المطاف إلى سرقة الثورة من قبل فئة ما أو أن كارثة ما سوف تحل بالبلاد, كذالك كانت تدل كل المؤشرات.
نصل الآن إلى بيت القصيد والعمل الوحيد الذي أنجزته ولله الحمد تحت مظلة الجمعية الوطنية للعدالة الإجنماعية, وهو تقرير عن أهمية سرعة نزع السلاح من الشارع الليبي كنت قد أعددته في شهر ديسمبر 2011, بنية تقديمه إلى رئيس الوزراء أنذاك السيد عبدالرحيم الكيب. وفعلا أرسلت بنسخة منه إلى السيد الكيب عن طريق غير رسمي خلال أسبوع أو أسبوعين من تاريخ إعداده. مؤخراً وخلال مكالمة مع أحد الأصدقاء منذ ما يقارب من أسبوعين, حدثني صديقي عن قلة الأمن والأمان في البلاد نتيجة إنتشار السلاح وبيّن لي أنه يخشى على أسرته, تأسفت جداً لوضعه ولوضع الناس عامة, فالأمن والأمان شعور تختلف شدته من شخص لأخر في نفس الظروف, فكلما شعر الإنسان بالضعف وقلة الحيلة كلما إزداد شعوره بقلة الأمن والأمان, لذالك لاشك أن هناك من يعيش في رعب قاتل من الأطفال والمسنين ولا أحد يدري وهذه مسؤلية أخلاقية لا أعتقد أن عموم الناس يعيرونها أي إهتمام. الله المستعان.
خلال حديثي مع صديقي تذكرت ذالك التقرير الذي أعدته وأرسلته إلى السيد عبدالرحيم الكيب, فأخبرته به ووعدته بنسخة منه. حين أخرجت ملف التقرير لأرسله إليه قررت قرأته, فقد مر على كتابته قرابة السنة ونصف. فوجئت حينها وأنا أقرء وكأنني أصف ما يحدث الآن لا ما كنت قد توقعت حدوثه منذ زمن مضى. فواقع الحال يقول أنه وللأسف لا الحكومة الأنتقالية ولا الحكومة المرحلية الحالية قاموا بأي عمل لحل المشكلة. ما كتبته في تقريري كان شيئ بدهي عرفه كل من همه الأمر, فما كانت كتابتي للتقربر إلا محاولتي للمشاركة في الثورة بمساعدة السادة المسؤلين لوضع الأفكار على الورق بدل تداولها شفويا والذي لاشك يعد من أبرز مظاهر التخلف. لكن جلهم وللأسف يصروا على عدم الكتابة ولعل المراقب لكيفية إدارة الدولة وتعامل المسؤلين يلاحظ مدى إستخدام كلمات مثل "قلتله" و "تو نقوله" و "أكدتله" شفويا طبعا, "لكن هو الباين مفهمش" أو "هو نسي" أو "إشبح شن يقصد بها", ومهازل كهذه من أناس يديروا دولة غنية يجب أن تكون في مصاف الدول المتقدمة. لتّأكد من ذالك يمكن للقارء الكريم أن يعرج على مقال لوزيرة الصحة بإدارة السيد عبدالرحيم الكيب, د. فاطمة الحمروش (رابط أدناه).
أعود في النهاية إلى بداية حديثي والخبر الثاني بنشرة أخبار الليلة ماقبل البارحة وهو السطو المسلح على مصرف الجمهورية والذي دعاني إلى كتابة هذه السطور فهو أحد النتائج التي تنبئت بها في تقريري وقد يكن القطرة الأولى من سيل عارم للجريمة المنظمة وأفلام "البنديتي" التي ستشهدها البلاد إن لم تتم السيطرة على مجريات الأمور عاجلا.
هذا الرابط الذي يحوي التقرير الذي كتبته تحت مظلة الجمعية الوطنية للعدالة الإجتماعية وأرسلته للسيد رئيس الوزراء السابق عبدالرحيم الكيب والذي أكن له كل التقدير والإحترام. وهذا الرابط يحوي مقال د. فاطمة الحمروش والتي أيظا أكن لها كل التقدير والإحترام.

ملاحظة: عزيزي القارء أتأسف جداً لأي أخطاء إملائية ... فأنا حديث العهد بالكتابة بالعربية, فكلما تيقنت من أن ما كتبته خال من الأخطء وجدت بعدها أخطء ... فأرجو المعذرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق